Publications / Interviews

طبلية مصر”… أكلات شعبية من البيت إلى المتحف

تضم برنامجاً ثقافياً وفنياً وطهو وتذوق الطعام المحلي و”المطبخ الشمسي” أحد أبرز فعالياتها

مي إبراهيم

السبت 2 مارس 2024 10:58


تزخر مصر بتراث ثقافي كبير في مجالات متعددة من بينها الطعام الذي يُعتبر أحد أبرز الموروثات الثقافية المعبرة عن التاريخ والهوية في أي بلد. وعند الحديث عن مصر فإن ثقافة الأكل هي مجال شديد الثراء، وتختلف في طول البلاد وعرضها بحسب طابع المنطقة فالسواحل تختلف عن المناطق الصحراوية، والشمال غير الجنوب، فلكل منطقة ما يميزها ويعكس طابعها وتراثها استناداً إلى طبيعتها والموارد المتاحة فيها.
وانطلاقاً من أهمية الأكل كجزء من التراث الثقافي المصري انطلقت في المتحف القومي للحضارة المصرية مبادرة تحت عنوان “طبلية مصر” تهدف لحماية التراث الشعبي من المأكولات والاحتفاء بها، وإحياء الموروثات من الأطعمة الشعبية المصرية كأحد أنواع التراث غير المادي لحمايته من الاندثار، وتهدف لتسليط الضوء على سياحة المأكولات، التي تعد من بين أهم المنتجات الحديثة للسياحة، وذلك عبر مجموعة ورش فنية ومنصات لعرض الأطعمة المصرية التراثية.
وانطلق الموسم الأول من المبادرة التي تجري فعالياتها حالياً في فبراير (شباط) من العام الماضي، وتضمن فعاليات عدة شاركت فيها قطاعات كبيرة من المهتمين بتراث الطعام المصري سواء من المتخصصين والباحثين أو من الجمهور العام الذي تفاعل مع النشاطات المتنوعة التي قدمتها المبادرة.

طبلية المصريين

“الطبلية” في التراث المصري هي منضدة دائرية الشكل ذات أرجل قصيرة يوضع عليها الطعام وتلتف حولها الأسرة كاملة في طقس أسري اجتماعي بالمقام الأول، وتهدف المبادرة إلى إحياء الأكلات الشعبية التي لطالما اعتاد المصريون وضعها على “الطبلية” لعصور طويلة ولا يزال بعضها موجوداً حتى اليوم. إلا أن بعض الأكلات لم تعد حاضرة على موائد المصريين أو قل الاعتماد عليها.
وعن مبادرة “طبلية مصر”، يقول الرئيس التنفيذي للمتحف القومي للحضارة المصرية أحمد غنيم لـ “اندبندنت عربية”، “منذ افتتاح المتحف نحاول أن نستوحي فعاليات مختلفة من اسمه (الحضارة المصرية) فهي ليست فقط تضم الآثار بمعناها التقليدي فقط، بل كل ما يشمله التراث المصري في كل العصور، سواء الفنية مثل الموسيقى والغناء إضافة إلى كافة مجالات التراث في كل بقاع مصر، ومن بين الأشياء التي تميز التراث المصري نجد الأكل ذي الأبعاد التاريخية، وبعض الأكلات تعود إلى آلاف السنين وتمثل جزءاً من الحضارة المصرية. ومن هنا اتجهنا إلى تنظيم طبلية مصر بالتعاون مع جهات علمية ومنظمات للمجتمع المدني كشكل من أشكال إحياء التراث”. ويضيف غنيم “ضمت طبلية مصر في موسميها الأول والثاني الجاري حالياً فعاليات متنوعة مثل المحاضرات وورش العمل وتوثيق للأكلات التراثية ومعارض فنية وأكلات يتذوقها الجمهور، وكانت تهدف إلى التوعية بأهمية هذا التراث والتعريف بالبعد الصحي للأكلات. كذلك ضمّنا البعد الاقتصادي بعرض لأكلات مصرية متميزة وقليلة التكلفة، وفي الوقت ذاته كان أحد أهم أهدافها هو تعريف النشء بمثل هذا الجانب التراثي من الحضارة المصرية عن طريق فعاليات تحت اسم (الشيف الصغير) يشارك فيها الأطفال بتحضير أكلات مصرية”.
ويستكمل المتحدث ذاته، “لم نغفل أيضاً الجانب المتعلق بالآثار فأقمنا معرضاً موقتاً بعنوان (على الطبلية) يتضمن مجموعة فريدة ومتنوعة من الآثار تعود إلى مختلف العصور تضم أدوات استخدمها المصريون على المائدة مثل الأكواب والأطباق والكؤوس وأدوات الطهي. كذلك عرضنا بعض بقايا الطعام التي تناولها المصريون القدامى وكانت تمثل جزءاً من ثقافته الغذائية”.


المطبخ الشمسي

فعاليات متنوعة يضمها الموسم الحالي من “طبلية مصر” من بينها معارض فنية، وندوات، وورش عمل، وطبخ، وتذوق للطعام المصري الشعبي، إضافة إلى ذلك يقدم الموسم الحالي مشروعاً وثيق الصلة بالتراث المصري في ما يتعلق بالأكل بعنوان “المطبخ الشمسي”. فالشمس هي عنصر رئيس في حياة المصريين اليومية ولها قدسية كبيرة عند المصريين القدماء وهي مرتبطة بشكل كبير بيومياته العادية أو بنشاطات تتعلق بالزراعة والصناعات اليدوية وكذلك بالطعام، فالشمس كانت حاضرة على مر التاريخ في تعامل المصريين مع الطعام ولها دور في طرق إعداده وتخزينه. جمعت هذه الفكرة اثنين من الفنانين الباحثين هما مينا نصر ولميس حجاج ليقدما مشروعاً مشتركاً بعنوان “المطبخ الشمسي”، ويعرض بمواكبة “طبلية مصر”، لمحات من المشروع وخرائط تفاعلية للطعام في مصر تعرّف الزائر بالأكلات التي تميز كل منطقة وفيديوهات قصيرة تهدف لتعريف الزائرين المصريين والأجانب على السواء بجانب من التراث المصري وهو الأكلات الشعبية.
وتقول لميس حجاج “تدخل الشمس في طرق تجهيز المصريين للطعام بأشكال مختلفة مثل التخمير للعجائن، والتجفيف حتى يمكن استخدامها في مواسم أخرى، والحفظ عن طريق وضع المأكولات في مكان يتميز بالشمس والهواء حتى لا تفسد وشكّل كل منهما أهمية كبيرة في حياة المصريين، فالكثير من أنواع الخضروات والفواكه والأسماك أمكن تجفيفها واستخدامها على مدار العام في غير موسم وجودها، وأصبح ذلك جزءاً من ثقافة المصريين الغذائية”. وتضيف، “للتعرف عن قرب إلى الأكلات التراثية المصرية كان لا بد من الذهاب إلى أماكن وجودها، فبدأنا الرحلة من الجنوب وزرنا محافظات عدة من بينها المنيا وأسيوط وقنا، واتجهنا إلى أسوان حيث أقمنا لفترة للتعرف إلى الوصفات التقليدية من السكان المحليين. وحرصنا على إقامة فعاليات مختلفة معهم في كل منطقة كنا نتوجه إليها لإحياء هذه الأكلات وخلق شكل اجتماعي لتحضير الطعام وتناوله. ووثقنا الأكلات في كتاب، ليس كتاباً للطبخ، ولكنه يقدم حكاية عن الوصفة وتاريخها. وجاري العمل على فيلم وثائقي”.

أبرز أكلات المطبخ الشمسي

ارتبطت أكلات متعددة بالشمس في تراث المصريين، تنوعت بين المخبوزات والخضروات والفاكهة المجففة وغيرها من الوصفات التي كانت الشمس حاضرة بقوة في مراحل إعدادها، وعنها يقول مينا نصر “من أشهر الأكلات العيش الشمسي في جنوب مصر وهو يعود إلى أقدم العصور، وُجِد مرسوماً على المعابد المصرية القديمة وهو من أشهر أنواع الخبز في الصعيد. وهناك أكلات كثيرة تشتهر بها منطقة الجنوب مثل الكشك الصعيدي، الشلولو (يحضَّر من الملوخية المجففة)، والأسماك المملحة بأنواعها، الخبز البتاو، وكلها تدخل الشمس كعنصر أساس في مراحل إعدادها وتخزينها”. ويضيف أن “الرحلة طويلة ومستمرة عند البحث عن علاقة الشمس بطعام المصريين في كافة أنحاء البلاد التي لكل منها طابع يميزه استناداً لطبيعتها، فالسواحل تختلف عن المناطق الصحراوية باعتبار اختلاف الموارد المتاحة ولكن الاعتماد على الشمس قائم وموجود بأشكال مختلفة، حاولنا أيضاً من خلال المشروع إلقاء الضوء على مفهوم الاستدامة بتشجيع استخدام الطاقة الشمسية في مصر باعتبارها مورداً متوافراً بكثرة ولكنه يحتاج إلى استخدامه بصورة أكثر انتشاراً، إضافة إلى نشر مفهوم الطهي البطيء فهو صحي بدرجة أكبر، وأيضاً دعم فكرة أن الأكل طقس اجتماعي يحتاج إلى التجمع والمشاركة”.

Interview Link